مشاركة عثمان بن عفان في تجهيز جيش العسرة يدل على ماذا ؟

مشاركة عثمان بن عفان في تجهيز جيش العسرة يدل على
حرصه على البذل والعطاء، وسرعته في الصدقة والإنفاق في سبيل الله .
كما أن تلك الغزوة كانت دليلًا على أن الإيمان بالله عز وجل يفوق أي عدد أو قوة أو عتاد، فعلى الرغم من قلة السلاح والمال والمؤن، وطول المسافة، وزيادة الحر ولكن الصحابة رضي الله عنهم تمكنوا من الوصول إلى تبوك. [1]
ما هو جيش العسرة
هو الجيش الذي توجه إلى تبوك بشهر رجب من العام التاسع قبل حَجَّة الوداع، التي تم تسميتها بهذا الاسم نسبة لعين ماء يُطلق عليها تبوك، وهو مكان مشهور ما بين المدينة ودمشق، وعُرفت تلك الغزوة باسم آخر معروف وهو: (غزوة العُسْرة)، ومن الجدير بالذكر أنه لم يقبل أي مسلم منهم أن يتخلف عن الانضمام إلى الجيش في تلك الغزوة، إلا من كان في قلبه مرض، إلا ثلاثة أشخاص، قد تاب الله عليهم في نهاية الأمر.
لماذا سمي جيش العسرة بهذا الاسم
سُمي جيش العسرة بذلك الاسم نظرًا إلى وقوع الغزوة في وقت عُسْرَةٍ من الناس، واشتداد في الحر، وبُعْدٍ في المسافة، وقلةٍ في الدواب والأموال، وقد ذُكر ذلك الاسم في كتاب الله عز وجل عندما ذكر تلك الغزوة في سورة التوبة، فقال الله سبحانه وتعالى: {لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(التوبة: 117).
وفي رواية البخاري في سنده لأبي موسى الأشعري رضوان الله عليهم فقال: “أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله الحُملان لهم إذ هم معه في جيش العُسْرة، وهي غزوة تبوك“، وقد أطلق عليها البخاري عنوان بقوله: “باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة”.
كما ذكر ابن حجر (بفتح الباري): “وهي آخِرُ غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أهمِّها، وكانت مليئة بالأحداث، فيها أخبار الموسرين الذين أنفقوا، والفقراء الذين عجزوا، وفيها أنباء المنافقين الذين فُضِحوا، وحكاية الثلاثة الذين خلفوا، فضلاً عن أخبار المسير والحصار والمشقة التي كانت فيها، والأحداث التي صاحبتها”.
من يجهز جيش العسرة وله الجنة
حدثت تلك الغزوة في وقت عُسْرَةٍ من الناس، وشدة في البلاد والحر، وقد حثَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا الناس إلى الإنفاق والبذل فيها فقال صلوات الله عليه وتسليمه: “من جهز جيش العسرة فله الجنة، فجهزه عثمان بن عفان رضي الله عنه” رواه البخاري.
وبالفعل استجاب الصحابة رضي الله عنهم إلى نداء النبي عليه الصلاة والسلام وكعادتهم تسابقوا في الإنفاق والبذل، وضربوا أجمل الأمثلة في المنح والعطاء، فأعطى أبو بكر الصديق كل ماله الذي بلغ أربعة آلاف درهم، وأعطى عمر رضي الله عنه نصف أمواله، وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أيضًا بنصف ماله، وجاء العباس رضي الله عنه بالكثير من المال، وغيرهم.
بكم جهز عثمان جيش العسرة
جاء عثمان بن عفان رضي الله عنه بألف دينار وبثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها استجابة لنداء رسول الله صلوات الله عليه وتسليمه: (من جهز جيش العسرة فله الجنة)، وقد أكْبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعله عثمان رضي الله عنه فقال: (“ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم”) رواه الترمذي وصححه الألباني.
وقد ذكر ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري فقال: “باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يحفر بئر رومة فله الجنة) فحفرها عثمان، وقال: (من جهز جيش العسرة فله الجنة) فجهزه عثمان”.
أسباب غزوة العسرة
كان هناك اختلاف في أسباب حدوث تلك الغزوة، فقد روى ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن ملك الروم (هرقل) قد جمع الكثير من الجموع من الروم والغساسنة وبعض قبائل العرب الموالية، فعلم بهذا نبي الله صلى الله عليه وسلم بهم ولذا خرج إليهم. [2]
قصة غزوة تبوك (العسرة)
تحرَّك نبي الله صلى الله عليه وسلم بالجيش في يوم الخميس باتجاه الشمال نحو تبوك، إلا أن عدد الجيش كان كثيرًا فقد بلغ 30 ألف مقاتل، ولم يكن المسلمون قد خرجوا بمثل هذا الحشد الكبير من قبل، ولكن لم يتمكن المسلمون مع ما تم بذله وإنفاقه من الأموال أن يجهزوا الجيش تجهيزًا كاملًا، بل كان هناك في الجيش قلة كبيرة في المركب والزاد، إذ كان 18 رجلًا يعتقبون واحدًا فقط من البعير، ومن المحتمل أنهم أكلوا أوراق الشجر إلى أن تورمت شفاههم، ولجأوا إلى ذبح الإبل ليشربوا ما في بطونها من ماء، ولهذا سُمي الجيش بجيش العسرة، ثم مر جيش المسلمين في طريقه لتبوك بالحجر ديار ثمود ممن جابوا الصخر بالواد، أي وادي القرى.
أما الروم وحلفاؤهم فعندما سمعوا بقدوم نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل الرعب في قلوبهم، فلم يتجرأوا على التحرك واللقاء، فقاموا بالتفرق في البلاد داخل حدودها، فكان لهذا أروع أثر بالنسبة إلى السمعة العسكرية للمسلمين داخل الجزيرة وفي أرجائها النائية، وبهذا حصل المسلمون على مكسب سياسي هائل، والذي من الممكن أنهم لم يحصلوا عليها لو حدث هناك اشتباك بين الجيشين.
ثم جاء يُحنة بن رؤبة صاحب أيلة، لمصالحة نبي الله عليه الصلاة والسلام وأعطاه الجزية، ثم جاءه أهل جرباء وأذرح وأعطوه الجزية، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم كتابًا.
وهكذا رجع جيش المسلمين من تبوك منصورين ولم ينالوا كيدًا، وكفاهم الله شر القتال، ولكت خلال العودة إلى المدينة في الطريق تآمر اثنا عشر رجلًا منافقًا، وقد قيل: أربعة عشر أو خمسة عشر على أن يغدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ويزاحموه على العقبة، إلا أن الله عصم رسوله صلى الله عليه وسلم منهم.
فقال ابن كثير في هذا: “وقد ورد أن نفرًا من المنافقين هموا بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم وهم في غزوة تبوك في بعض تلك الليالي في حال السير، وكانوا بضعة عشر رجلًا، قال الضحاك: ففيهم نزلت هذه الآية[26]: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }” [التوبة: 74].
نتائج غزوة العسرة
كانت لغزوة العسرة نتائجًا إيجابيةً على المسلمين، ومنها:
- استطاع المسلمون أن يصلوا إلى تبوك، ومحاصرة العدو المُقيم على الأرض المدجج بالعتاد والأسلحة.
- انتهت تلك الغزوة بنصر المسلمين، دون اشتباك أو قتال، لأن جيش الرومان تبدد وتشتت في البلاد بسبب الشعور بالخوف من مواجهة الجيش الإسلامي، مما كان له أكبر الأثر في حدوث تغيرات عسكرية بالمنطقة.
- كانت تمهيدًا لفتح الشام، وسقوط هيبة دولة الروم العظمى في هذا الوقت.