يقوم الحجاج القديم على الجدل والخطابة والبرهان

كتابة: خلود صلاح آخر تحديث: 03 يناير 2023 , 11:45

يقوم الحجاج القديم على الجدل والخطابة والبرهان

بالفعل، إن مفهوم الحجاج عند قدماء العرب يقوم على مفاهيم الجدل، الخطابة، والبرهان، إذ أن الهدف والغرض من اتباع هذا النوع من الأدب كان يتمثل في توضيح الدوافع، إلى جانب تأكيد صحة الدعوى، والأهم هو إصمات الخصوم وإلزامهم بالتأدب والاقتناع، بحيث يتم دفع دعوى الخصم وما يزعمه من خلال الدليل والبرهان، وبالتالي يتم تأكيد الدعوى الخاصة بالمحاجج أي (صاحب الحجاج)، ونفي الأخرى المعارضة له في أي موضوع أو نقاش يختلف فيه المحاجج وخصمه.

تعريف الحجاج لغة

قد جاء تعريف الحجاج لغة في لسان العرب في مادة (ح ج ج) إذ تُقال حاجَجْتُه أُحاجُّه حِجاجاً ومُحاجَّةً حتى حَجَجْتُه بمعنى غَلَبْتُه بالحُجَجِ التي ذكرتها، ومن الجدير بالذكر أن الحُجَّة  البُرْهان هما ما يدفع به الخصم، وقد قيل أن الحُجَّة هي “الوجه الذي يكون به الظَّفَرُ عند الخصومة وهو رجل مِحْجاجٌ أَي جَدِلٌ والتَّحاجُّ التَّخاصُم وجمع الحُجَّةِ حُجَجٌ وحِجاجٌ”. [1]

وعرفها الجرجاني قائلًا: “الحجة ما دل به على صحة الدعوى، وقيل الحجة والدليل واحد” أما الكفوي عرفها في قوله: “الحجة بالضم البرهان وما ثبت به الدعوى من حيث إفادته للبيان يسمى بينة ومن حيث الغلبة به على الخصم يسمى حجة”

ويجب العلم بأن كلمة حجاج تلك مصدر وليست كلمة جمع، وفعلها (حاج).

تعريف الحجاج اصطلاحًا

إن الحجاج عملية تستهدف من خلالها شخصًا ما يحمل المحاجج تبني موقف معين من خلال البحث عن حجج تقوم بإبراز ذلك الموقف أو صحة أسسه، أي أنها عملية تهدف إلى إقناع الآخرين والتأثير عليهم.

ويوجد تعريف آخر يتشايه مع مفهوم الخطابة، مما يجعله مهتمًا بنواحي العملية التخاطبية، إذ أن “الخطاب الحجاجي عبارة عن خطاب موجه، وكل خطاب هدفه الإقناع يكون بالضرورة له بعد حجاجي” أي أنه فور ربط الخطاب بالحجاج نفرض وجود مرسلًا ومتلقيًا، والهدف والغرض هنا من الحجاج هو التأثير في المتلقي من خلال الفهم والإقناع، ومن الجدير بالذكر أنه ليس هناك خطاب حجاجي وخطاب غير حجاجي، بل إنه “لا خطاب بدون حجاج” وهكذا فإن الخطاب يقوم على العلاقتين التخاطبية والاستدلالية معًا، بمعنى أنه إذا اشتمل الخطاب على علاقة تخاطبية لا بد أن تُرد إلى العلاقة الاستدلالية، أما الكلام الذي يستحق أن يطلق عليه اسم خطاب هو ما يقوم على كل البراهين والدلائل في حق ما يسمى بالحجاج، كما أن الحجاج هو كل كلام موجه للغير من أجل إفهام دعوى مخصصة يحق لهم الاعتراض عليها.

تاريخ أدب الحجاج

إن تاريخ الحجاج يرجع إلى السفسطائيين إذ اعتمدوه طريقة  للظفر بخصومهم وتوضيح حججهم وإقناع الغير، إذ أنه في ظل الوضع السياسي لليونان وبعد أن قام الحكامُ بطرد الجبابرة، طالب السكان باسترداد أراضيهم وممتلكاتهم، فكانوا بحاجة لمن يدافع عنهم ويتحدث بلسانهم، و في تلك الظروف خرج السفسطائي الصقلي الشهير (Corax كوراكس) واضعًا مشروع خطابة، قام فيه بمراعاة الأسلوب الإقناعي المؤثر في القاضي من أجل تحقيق المصلحة، لذا عمل على تحديد الخمسة أقسام الكبرى التي كانت تُمثل التقسيم النموذجي للخطابة، فاهتم بالاستهلال، القص، الاحتجاج وأيضًا الاستطراد والخاتمة.

هذا إلى جانب أن أفلاطون قام بانتقاد السفسطائيين في محاوراته، وأوضح زيف أطروحتهم الحجاجية التي تعتمد على اللعب باللغة بواسطة أطروحته المضادة والتي أُطلق عليها اسم (استراتيجية الكشف)، ثم سار على خطاه تلميذه (أرسطو)، فقام بالتمييز ما بين الجدل والخطابة، وقال أنهما يخدمان المخاطبة والقول نظرًا لوجود قواسم مشتركة، واعتبر أن الحجاج مفخرة الخطباء والنواة الرئيسية ليس فقط لكل خطابة ولكن لكل خطاب.

بالإضافة إلى أن العرب البلاغيين مثل الجاحظ وغيره الكثير استطاعوا الاستفادة من الحجاج عن طريق ترجمة الأرسطيات فوظفوه من أجل خدمة النحو، الفقه والقرآن وعلم الكلام، وقد ارتبط الحجاج بصورة خاصة بالبلاغة، نظرًا لدورها الضخم في إقناع المتلقين، لأنها تحتوي على الأدلة والبراهين.

أصالة النظرية الحجاجية عند العرب

لقد مرت العلوم والآداب العربية بمختلف تخصصاتها وفروعها بمرحلتين أساسيتين وهما: المشافهة والتدوين، وقد تعقب مسار نظرية الحجاج عند العرب
وتضمن أكثر من هذه التي يقتضي فيها النظر من خلال وصفها لأحد المباحث والتخصصات، وبالأخص أصول النحو، فقه اللغة، البلاغة، العلوم الشرعية وأصول الفقه والعقيدة والتفسير، وأخيرًا الكلام، فقد كان علم الحجاج نقطة تواصل وحاجة وجودية.

ولكن لم يكن الحجاج حاضرًا منذ قديم الزمان وبداية العرب، إذ أن التنظر له بدأ مع بداية مرحلة التأليف الشرعي واللغوي، ولا يجب نفي وجود الحجاج في التراث الثقافي والعلمي العربي إذ كان بين محورين أساسـيين اقتضاهما السياق السياسي، فكان المحور الأول هو (الحجاج بوصفه نشاط العقدية، الشرعية، المعرفية، والأدبية النقدية)، أما المحور الثاني فهو (التأليف في الحجاج والتنظر له).

ومن الجدير بالذكر أن نقطة بداية المحور الثاني كانت في اللحظة التي شعر فيها علماء اللغة العربية والشرع بالحاجة الملحة إلى التناظر في المسائل الخلافية، وخاصة تلك الكلامية والفقهية، فعكف البعض منهم من عصور وتخصصات متباينة على التأليف مثلما قال (ابن تجري): “أما الجدال وهو معرفة آداب المناظرة”.

ومن الجدير بالذكر أن الأئمة قد احتاجوا لوضع أحكامًا وآدابًا يقـف أهل المذاهب الفقهية عند حدودها في القبول أو الرد، وكيف يصبح حال المحاجج والمتلقي، إذ يسوغ له متى يعارض ومتى يسكت ومتى يحق لخصمه الكلام، ولذا تم القول بإن الحجاج يتمثل في معرفة القواعد من الحدود والآداب في الاستدلال. [2]

العلاقة بين الحجاج والمناظرة

إن المناظرة عبارة عن محاورة فيها خصومة وتنازع ما بين شخصين أو أكثر، بحيث يقوم فيها كل الأطراف ببناء الكلام الهادف الذي يتضمن المقدمات ويهدف إلى الوصول للنتائج، بحيث يكون في خلاصتها إسقاط الدعوى سواء بالحق أو بالباطل، وهكذا تكون المناظرة كذلك أحد صيغ الحجاج، ويمكن القول بإن كل جدال أو حجاج هو مناظرة، فقال فيها الشريف الجرجاني: “واصطلاحا هي النظر بالبصرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين، فهو هنا لا يتكلم عن النظر المحسوس باعتباره إعمالًا لحاسة للصواب”، وهنا تتمثل العلاقة ما بين الحجاج والمناظرة.

فقد تم اعتبار الحجاج تدبرًا فكريًا مجردًا باستخدام العقل، أما المناظرة فهي مرتبطة بمعاني التواجه، التقابل، وتبادل النظر ما بين الطرفـين، وكذلك التدبر، التأمل، المعاينة، والكشف عن الصواب. 

وكل هذا ساعد على استخلاص المفهوم بصورة نسبية كما في التالي: “تواجه طرفين متقابلين ينظران لبعضهما البعض، ويتدبران الشأن الذي يقفان من أجله، فيهدف كل طرف منهما إلى الكشف عن الصواب فيه من خلال التعاون.

إشترك
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
رد خطي
الإطلاع على كل التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى