اطول رحلة في تاريخ البشرية

اطول رحلة في تاريخ البشرية
رحلة الإسراء والمعراج.
تعتبر رحلة الإسراء والمعراج هي أطول رحلة في تاريخ البشرية من الناحية الدينية، وهي رحلة قام بها رسولنا الكريم محمد –صلى الله عليه وسلم- بجسده وروحه بعدما عانى من المحن والمصاعب التي تلقاها من قريش أثناء دعوته لدين الله الإسلام، وبعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة -رضي الله عنها-.
وكانت رحلة الإسراء والمعراج بعد عودته –صلى الله عليه وسلم- من الطائف وما به من همّ وحزن بسبب ما ناله من أهل الطائف ومحاربتهم للإسلام، فكانت الرحلة بمثابة تخفيف ورحمة من الله –عز وجل- بنبيه محمد –صلى الله عليه وسلم- وسرور لقلبه الحزين والمهموم، وهي الرحلة التي فرض الله فيها الصلوات الخمس على المسلمين.
ومعنى كلمة الإسراء: هو سرى نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى بالقدس الشريفة في الليل وعودته، والمعراج: هو صعود نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- من القدس إلى السموات السبع.
وتم إثبات الإسراء بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية؛ فقال الله –عز وجل- في القرآن الكريم: “سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”(الإسراء الآية: 1 )، أما المعراج فهو ثابت في الأحاديث النبوية المختلفة المصححة من البخاري ومسلم، والمخرجة من كتب الحديث والسيرة والتفاسير المتعددة.
قال ابن كثير في رحلة الإسراء والمعراج: “وقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- جبريل -عليه السلام- على صورته التي خلقه الله عليها مرتين: الأولى عقب فترة الوحي، والنبي -صلّى الله عليه وسلّم- نازل من غار حراء، فرآه على صورته فاقترب منه، وأوحى إليه عن الله -عز وجل- ما أوحى، وإليه أشار الله بقوله: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى }(النجم الآية 5: 10)، والثانية: ليلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى، وهي المشار إليها في هذه السورة ” النجم ” بقوله تعالى: { وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى } (النجم الآية 13: 14).[1]
ما هي رحلة الإسراء والمعراج
هي معجزة من المعجزات التي حدثت للرسول –صلى الله عليه وسلم-، وهي رحلة الرسول –صلى الله عليه وسلم- بروحه من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس.
رحلة الإسراء والمعراج من معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- التي سببت حيرة لبعض الأذهان واختلف فيها الكثير من العلماء، وقد حدثتا الإسراء والمعراج في ليلة واحدة قبل الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، وقد زعم البعض أنها كانت في منام الرسول –صلى الله عليه وسلم-، والبعض الآخر زعم أنها كانت بالروح فقط، والبعض قال أنها كانت بالروح والجسد، وقد ازدادت وتعددت الروايات والأحاديث عن الإسراء والمعراج، ولا يوجد حديث واحد يجمع أحداث هذه الرحلة المباركة.
ودلت عليهما الكثير من الآيات والأحاديث؛ فقال الله –عز وجل- في كتابه عن الإسراء: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”(الإسراء:1)، وعن المعراج في سورة النجم قال تعالى: “أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى”(النجم 18:12).
وقد استدل العلماء بقول عائشة -رضي الله عنها- بخصوص الإسراء والمعراج تقول فيه: “ما فقدتُ جسد رسول الله ولكن أُسْرِيَ بروحه”، ولكن قد حكم عليه بعض العلماء أنه قول ضعيف وموضوع؛ حيث أنها في ذلك الوقت لم تكن زوجة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال ابن عبد البر: “وإنكار عائشة الإسراء بجسده: لا يصح عنها، ولا يثبت قولها”، وقال الشيخ محمد رشيد رضا: “قد تجد حديثين عن عائشة ومعاوية يُفْهِمان أن الإسراء لم يكن بجسده الشريف، وهما حديثان ليسا مما يحتج بمثلهما أهل العلم بالحديث”.
وقد قال الطبري في رحلة الاسراء والمعراج: “ولا معنى لقول من قال: أسري بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلاً على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك كانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن مُنْكَرَاً عندهم ولا عند أحدٍ من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر أو أقل، وبعد فإن الله إنما أخبر في كتابه أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا بأنه أسري بروح عبده، وليس جائزاً لأحد أن يتعدى ما قاله الله إلى غيره”.[2]
تاريخ رحلة الاسراء والمعراج
اختلف العلماء في تحديد تاريخ محدد لرحلة الاسراء والمعراج.
لم يتمكن العلماء من تحديد التاريخ التي حدثت فيه معجزة رحلة الإسراء والمعراج، فاختلفوا في تحديد السنة؛ حيث اجمع بعض العلماء أنها كانت قبل الهجرة بسنة، وقال القاضي أنها كانت قبل الهجرة بخمس سنوات.
كما اختلفوا في تحديد الشهر الذي حدثت فيه الرحلة، فقال ابن الأثير ومجموعة من العلماء منهم النووي أنها كانت في ربيع الأول؛ حيث قال النووي: ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول، وقيل أنها كانت في رجب، وقيل رمضان، وقيل شوال.
وقيل إنها استمرت لمدة ثلاث سنوات وقيل ثمانية عشر شهراً؛ فلا أحد يعلم بالضبط المدة التي أسري فيه برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن اليقين أنها كانت قبل الهجرة.[3]
سبب الإسراء والمعراج
تعويضًا للنبي –صلى الله عليه وسلم- عما أصابه من حزن بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة -رضي الله عنها-، وما تلقاه من أذى خلال فترة دعوته للإسلام.
بعد أن خرج النبي –صلى الله عليه وسلم- من الطائف دامي القدمين من الحجارة التي جرحت قدمه، كان ألمه من الكلام الذي تلقاه وليس من جرح قدمه، فبعث الله إليه الوحي يقول: “إن شئت أطبق عليهم الجبلين”، وكان رد النبي –صلى الله عليه وسلم: “إني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون”، فهيأ الله –سبحانه وتعالى- رحلة الإسراء والمعراج، لتكون بمثابة تخفيف ورحمة للنبي –صلى الله عليه وسلم- عما قاسى وتعويضًا له عن ما أصابه.
وكانت رحلة الإسراء والمعراج ليعلم الله –عز وجل- النبي –صلى الله عليه سلم- أنه إذا أعرض عنك أهل الأرض وصدّوك فإن أهل السماء مقبلون عليك ويتخذونك إمامًا لهم، فكانت تعويضاً وتكريماً لرسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم- من الله –عز وجل-.[4]